A review by ahmoda
المستشارة ؛ مسيرة أنجيلا ميركل الملحمية by Kati Marton

5.0


عالم السياسة مُستنقع قذر، لا يُمكن لإنسان أن يكون مُحنّكًا فيه إلا أن يكون داهية، لأن لا مكان فيه للضُعفاء أو للمثاليين

السياسيون خاصة رؤساء الدول يكونون تحت ضغط شديد لا يحتمله الكثيرون. يسيرون أولئك على خيط رقيق جدًا فوق بُركان هائل من الضغوط. ضغوط شعبية مُطالِبة بتحسين الوضع المحلّي، وضغوط دولية تقوّض الرغبة في الإصلاح، ومعاهدات دولية وإقليمية مفروضة لا فكاك منها. يسير أولئك محاولين الموازنة بين رغبات شعوبهم وحقيقية إمكانية تحقيقها. يجاهدون للسير بأمان وسط تيارات الشعبوية واليمينية المُتطرفة وبين اليسارية الحالمة. لكن الخيط الذي يسيرون عليه واهٍ للغاية ومُعرض للاحتراق عند أول حركة خاطئة وعندها سيكون السقوط مُدوّيًا لتبتلعه نيران الإعلام السياسي

لا يوجد سياسي لا يُقدّم تنازلات، وللأسف لا يملك فيه السياسيون ترف المثالية. صدق من قال إن السياسة فنّ... لكنه فنّ قبيح والجميع مُضطر أن يُمارسه

كتاب "المُستشارة" هو سيرة ذاتية للمُستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهي التي بقت في هذا المنصب لمدة ستة عشر عام، لتكون مُدتها هي الأطول في هذا المنصب يماثلها في الفترة هلموت كول. لكنها المرة الأولى في التاريخ الألماني التي تتولّى فيه أنثى هذا المنصب وسط بلد وحزب ذكوري للغاية

بالتأكيد هناك عدة نقاط نختلف فيها مع "أنجيلا ميركل" لكننا لا بُدّ أن نُقرّ ونحترم إرادتها الفولاذية التي تحدّت بها أعتى المُتنمرين السياسيين والرؤساء المُتبجحين، ونحترم إيمانها بمبادئها الإنسانية والإصرار على تنفيذها، رغم كُل التحدّيات التي واجهتها، وعدم الوقوع في فخّ التعصّب المُتطرّف المُتصاعد في بلدها والدفاع المُستميت لتوحيد بلدها وإبقائه تحت مظلة أوروبا لا أن تبقى منبوذة لإيمانها لمُطلق بقانون -الاتحاد قوة في وجه أعدائك

نستكشف في الكتاب حياة "ميركل" منذ طفولتها ونشأتها الصارمة في ألمانيا الشرقية تحت إمرة الاتحاد السوفيتي. هذه النشأة تحديدًا هي ما خلقت الشخصية الحذرة والداعمة لحقوق الإنسان، وهي التي جعلتها تُقدم على قرارها الجريء لفتح حدودها للاجئين السوريين، لتكون الدولة الغربية الوحيدة في أوروبا التي فعلت ذلك

تريّث "ميركل" الملحوظ في اتخاذ قراراتها كان راجعًا كونها عالمة فهي الحاصلة على شهادة الدكتوراة في الفيزياء "الطبيعة"، ولهذا فلم تتخذ "أنجيلا ميركل" قراراً لها إلا بعد أن تكون قد درسته وجمّعت الحقائق الخاصة به، حتى أنها كانت تقرأ وتدرس عن الشخصيات السياسية التي ستقابلها

لا يُمكن للقارئ إلا أن يُعجب بالمُستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" وكيف أثبتت للعالم أن الأنثى من المُمكن أن تكون نِدًّا للرجل في مجال اعتبره الرجل مجاله بلا منازع. وكيف أنها كانت سياسية بارعة في التفاوض والتعامل مع الرؤساء والشخصيات السياسية، وكيف قاومت حماقة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وعنجهية وتبجّح الرئيس الروسي بوتين


اقتباسات

كل ما يهمّ الرأسماليين هو المال، وأن تحقّق الإجراءات أرباحاً طائلة، وأن يشتري المستهلكون أكثر مما يحتاجون إليه. نحن نُكره على تعلّم اقتصاد السوق، ولا يُفترض بنا مساءلته، وتتحوّل كل الأشياء إلى سوق، ومن بينها الطبيعة ذاتها



لا توجد مشكلة على الإطلاق بالنسبة إلى الرجل في ارتداء بذلة زرقاء داكنة مئة يوم على التوالي، لكن إذا ارتديت السترة ذاتها أربع مرات، أتلقى رسائل من المواطنين... ذات مرة وجدت مصوراً يحاول التقاط صورة لكعب حذائي الملتوي



طالما أن النساء لا يُمثّلن في مناصب قيادية، وفي وسائل الإعلام، وفي الأحزاب السياسية، وفي مجموعات الضغط، وفي مجال الأعمال، وما دُمن أدنى مرتبة من كبار مصممي الأزياء، وكبار الطهاة، فسيحدد الرجال قدوة النساء... ما هي فرصي في الزواج إن تقلدت منصباً قيادياً؟ ما هي فرص حدوث إسقاط للحمل؟ كيف سيعاني أطفالي إن حاولت الجمع بين مهنتي وعائلتي؟ نناقش هذه الأسئلة مراراً وتكراراً باستخدام أمثلة سلبية تحط من عزيمة النساء. هذه محاولة من الرجال من أجل الاحتفاظ بالمناصب التي يشغلونها حالياً



في الغالب، أشعر بالانزعاج عندما أكون برفقة رجال لا يعتمدون على الحقائق في نقاشاتهم، بل على أفضل الطرق لبث الرعب في الشخص الآخر



بينما تقرأ ميركل كل ملخصات الكتب، وتتمتّع بموهبة خاصة بالنسبة إلى ما يتعلّق بالتفاصيل التقنية والقانونية، وهو أمر يجد خصومها وزملاؤها صعوبة شديدة في مجاراتها فيه، وفي المفاوضات تذهلهم قدرتها على الإحاطة بالتفاصيل



يمكن لميركل، التي سعت دائماً إلى التقاعد قبل أن تصبح "حطاماً سياسياً"، أن تفخر بأنها غادرت منصبها بمحض إرادتها وهي في ذروة قوتها، ولم تُطرد منه كما حدث مع كل من سبقوها. وقدمت بذلك مثالاً أخيراً لأولئك السياسيين الذين يخطئون في تقدير المنصب ويرفضون التخلي عنه. أوضحت لهم ميركل كيف يجب أن تعمل الديمقراطية، وتركت إرثاً شخصياً



في النهاية... "أنجيلا ميركل" ليست ملاكًا بل بالتأكيد لها أخطائها، وأيضًا لها قناعات نختلف معها تمامًا شكلًا وموضوعًا، فهي في النهاية ألمانية تضع بلدها في المقام الأول، ويجب أن ننظر إلى قراراتها من خلال هذه الزاوية. لكن هذا لا يمنع أن نستلهم من سيرتها مآثرها التي تتوافق مع أفكارنا ومُعتقداتنا، ونتعلّم كيفية الإدارة المُتزنة والأخطاء التي وقعت فيها لتلافيها.

كتاب "المُستشارة؛ مسيرة أنجيلا ميركل الملحمية" كتاب مُلهم بكُل تأكيد خاصة وأنه يتحدث عن شخصية مُعاصرة حصلت على احترام العالم.

تقييمي للكتاب 5 نجوم

أحمد فؤاد
التاسع عشر كانون الأول/ديسمبر 2021