A review by khuzyma
نظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار: المغرب نموذجاً by أحمد العماري

informative medium-paced

5.0

هذا كتاب نفيس غزير المادة، نسقه متتابعٌ يأخذ بيد قارئه بتؤدة دون تعسُّف. وقد طرق باباً لم يطرق من قبل، رغم حاجتنا المسيسة لسبر ما ورءاه سبراً عميقاً ومنهجياً لنخرج من التيه ثم الاستضعاف. 
يدرس أحمد العماري مذاهب العلماء في المغرب في الاستعداد لمواجهة الغزو اللاتيني ما بين ١٨٣٠-١٩١٢م، وكيف صوَّروا الواقع، واشتبكوا معه، وأصَّلوا للمواجهة فقهياً، وقد لخَّص المذاهب الثلاثة: السلفية (وهي هنا يعني بها أهل العلم الأمناء على التراث لا المذهب العقدي)، والتوفيقية، والتحديثية، أحسن تلخيص، وعرض تأصيلاتهم وناقشها وتتبَّع مصادرها (وجُلَّها مخطوط حتى اليوم)، ونقد ما حقُّه النقد بمنهجية حسنة إلا أنه يؤخذ عليه عدم تحريره للعبارات الشرعية. 
وقد أحسن في السرد التاريخي مختصراً دون خلل، وأبانَ عن الغزو اللاتيني وأدواته وطبيعته أحسن بيانٍ. وأعاد تعريف حقيقة التحديث الغربي وأنه نتيجةُ صراعٍ داخلي حول ظهور الجامعة الإسبانية على الجامعة اللاتينية. وحقق مفهوم العلماء في المنظومة الشرعية وافتراقها عن مفهوم الاتلجنسيا (المثقفين) وهو تحقيق وتحرير من الأهمية في غاية حتى نخرج من السيولة العلمية في مواجهتنا للغزو والسعي في تغيير الواقع، وأظهر تعريف القوة عند العلماء وأنه شاملٌ لكل قوة: فكرية وسياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية، ولا تُحصَر بالعسكرة، وأعادَ تعريف المال في النظرية الإسلامية، ودرس هذا وغيره في كلام العلماء ومذاهبهم وطرائقهم في المواجهة. ونبَّه تنبيهاً لطيفاً أنَّ هذا يحتاج لممارسة الفكر والبُعد عن السكونية (وظاهرٌ مَن أكثر المشتبكين بالواقع اليوم في الحركة الإسلامية). 
وتغيبُ هكذا دراسة عن حال المشرق بدايات الغزو اللاتيني وتطويقهم لديار الإسلام في المشرق وبداية الاستعداد للمواجهة التي نتجَ عنها فيما بعد هيمنة النموذج الحضاري اللاتيني وريثاً للنموذج الإسلامي. 
والحقُّ أنه عملٌ ضخم، دراسةُ هذا الأمر، ولكنَّا -كما ذُكر- في حاجةٍ له وإعادة دراسة واقعنا والنظر فيه، وفوق هذا نحن تحت غزو دائم لا يتوقف في كل مجال، والله المستعان.