A review by shehab_eldin
مذكرات قبو by Fyodor Dostoevsky, أحمد الويزي

4.0


بالله عليكم أجيبوني هل هناك كاتب يستطيع أن يعكس ما في أرواحنا وما تختلج به نفوسنا أكثر من دوستويفسكي؟ بالطبع لا هو وحده فقط من يستطع فعل ذلك!.

《 إنّ الإسراف في إدراك الأشياء والشعور بها مرض حقيقي. شدة الإدراك لعنة، وكل وعيٍ مرض 》

مذكرات قبو أو بأسم أخر هي رسائل من تحت الأرض، بما إنها منقسمة إلى جزئين الجزء الاول يسمى - في قبوي - والجزء الثاني - عن الثلج الذائب
أسمحوا لي أيضا أن أراجعها بطريقة منقسمة إذن.

عن النصف الأول من الكتاب - في قبوي - عانيت في البداية قليلاً من الترجمة وكثرة الحوار بين الكاتب والقارئ، أرهقني بعض الشيء وأعتقد أنه العيب الوحيد بالنسبة لي الذي يحول بيني وبين العلامة الكاملة للكتاب
لكن هو يعتبر الجزء الأكثر فلسفة حتى الأن! لو كان تصنيف الكتب بيدي بالطبع سأصنف هذا الكتاب فلسفي درجة أولى دون اللجوء إلى الأدب أو القصص في شيء، فلسفة فيسكي الرائعة المثيرة للتفكير والإعجاب كانت واضحة جداً في الكتاب حد الجنون، وربما أصابني هذا الجزء بكثير من الحزن والتفكير.
ليس هذا على سبيل المبالغة أو التباهي أبداً، لكن للأسف أنا أشبه بطل هذه الرواية في كثير من الأمور خصوصا في عدم تقبل الذات، فكم مننا يشعر بالنفور من ذاته كل لحظة تقريبا؟، لن أبوح بأكثر من ذلك فهي ليست مذكراتي على كل حال، لكن هذا الجزء بشكل خاص وجدت نفسي فيه حد الحزن والنشيج والخوف.

’’ أنا رجل مريض... أنا رجل شرير.. أنا بالأحري رجل منفر ’’


بنظرة سريعة أيضا في هذا الجزء، فكما نعلم أن للعالم العظيم داروين تأثير على كل أدباء القرن التاسع عشر تقريبا بلا إستثناء، في هذا الكتاب كأن دوتسويفسكي أحد ضحايا نظريات داروين المثيرة للجنون، فكان يناقشها فيسكي بطريقة فلسفية رائعة حقاً ولا أتحدث هنا بالنظريات العلمية لا، لكن الفكر المنطقي والفلسفي وبالنفس الإنسانية قبل كل شيء وهو أكثر جزء كان مثير للإعجاب في الكتاب حقاً فأسلوبه كان رائع

’’ إن الإنسان غبي، وغبي بشكل مدهش أو أنه ليس بالأحري غبياً بالكل، إلا أنه عاق عقوقاً يستحيل معه أن نجد من هو أشد عقوقاً منه ’’
’’ وهو من الأمور التي أضمنها، لأن الشغل الشاغل للإنسانية جمعاء، يكمن تحديداً مثلما يبدو لي، في أن كل إنسان يريد بشكل دائم أن يبرهن لنفسه بأنه إنسان، وليس سدادة في آلة الارغن!’’


مفكرون كل العصور من أرسطو إلى فيسكي وشيكسبير وغارثيا ماركيز وغيرهم، لا يمكننهم أبداً أن ينكروا الإرادة الحرة للإنسان بل أكدوها في جميع كتاباتهم، فالإنسان خُلق حراً وهذه إرادة الله ومشيئته، وكان هذا بمثابة حجة على الإنسان يوم القيامة، لكن الملحدون يهدمون هذا المبدأ جهلاً وعمداً ويتحدثون أن الإنسان ماهو إلا آلة كاتبة لا تملك من مصيرها شيء إلا ما يريده جيناتهم والكرموسومات فقط وأن لكل فعل وتصرف جدول مسبق ومعروف يمكن أن نصل إليه يوماً ما! ما بالكم بالإرادة الحرة إذن؟

أما النصف الأخر من الكتاب، والذي يحمل أسم عن الثلج الذائب نحن هنا مرة أخرى بصدد الحديث عن تأثير مدينة بطرسبرغ في دوستويفسكي، تلك المدينة الهوجاء المتقلبة على أهلها، تارة تعدل بينهم وتجعلهم أمراء وملوك، ومع ذلك ما أكثر الشقاء في بطونها! وما أكثر الأشقياء الذي يعيشون هناك بالقبو البعيد في ركنهم السحيق لا يشعر بهم أحداً بل يحتقرهم الجميع. مدينة بطرسبرغ لها الفضل في كل الإلهام الذي جاء به أدباء روسيا
وهذا الجزء خصوصا أصبح الأسلوب فيه شيق أكثر وبدأت تظهر الأحداث والشخصيات الأخرى في الرواية بجانب بطلنا، والترجمة هنا أفضل على كل.
image


’’ أن تذهبوا جميعاً إلى الجحيم. هو ذا ما أريد! إنني بحاجة إلى سلام. ولكي يتركوني أعيش في سلام أتا مستعد لأبيع الأرض كلها بفلس صغير واحد ’’

هنا في مدينة بطرسبرغ في قبو عفن ورطب، كانت هذه ذكريات رجل يتم عامه الأربعين،رجل لم يحب نفسه يوماً ولا يعرف كيف يحبها بل هو بالأحرى لا يعرف كيف أن يكون أي شيء، وأعتقد إنها حاله تناسب الكثير من المتخصصين في علم النفس وغيره. فهو يشبه الكثير مننا لكن دوستويفسكي كان له الجرأه الاكبر في تصوير النفس الإنسانية.

أخيراً هناك أعمال وكتب خالدة بيننا، فنحن الأن نقرأ - أحيانا - كتب كُتبت منذ أكثر من ألف عام كالأدب العباسي والأندلسي مثلاً، وضاع الكثير في تدهور المدن والحروب وإحتراق المكتبات وما أكثر ما فقدته البشريه في ذلك، لكن الأن مع وجود الإنترنت إلى أي مدى ستظل أعمال دوستويفسكي خالدة؟ أظن إلى أبعد نقطة ستصل إليها البشرية من حضارة.
image


’’ وأقل ما يمكن قوله، هو أن المدنية، إن لم تكن قد جعلت الإنسان أشد سفكاً للدماء، فإنها جعلت في الأقل تعطشه للدم، يبدو أكثر مكراً ومخاتلة وجُبناً مما كان عليه الحال في السابق ’’
’’ فكلما تركتمونا لوحدنا، دون كتب، إلا وارتبكنا، وتُهنا: لن نعرف بعد ذلك أبداً، ما الذي ينبغي أن نستند إليه.’’

7/7/2020