Take a photo of a barcode or cover
A review by redamahmoud
بريد الذكريات by Emma Reyes
5.0
ما أنا تظن بالحياة أنها أطلعتك على أشد الحيوات قسوة وأرتك أقسى الطفولات حتى تتفاجأ بها تريك ما لا تتوقع! هذه المذكرات الحزينة التي لا يبزغ فيها قمر ولا يطلع فيها فجر حتى سرعان ما ينزوي ويختفي، تخبرك بأن جعبة الحياة بها الكثير، ولكن حاوية الإنسان بها الأكثر والأشد صلابة إلى الحد الذي يجهله صاحبها.
إيما ريس كانت طفلة غير شرعية نشأت في بوغوتا، في غرفة من دون شبابيك، ولا ماء استحمام، وتقتات بأقل القليل لتبقى على قيد الحياة... تعيش مع سيدة لا تعرف شيئا عنها غير "لبدة هائلة من الشعر الأسود" وتدعوها بالأنسة ماريا، ومع الأختين طفل أخر لا يعرفان عنه شيئا سوى لقبه الذي خلعاه عليه: القملة! وبعد فترة من التنقلات الكثيرة تجد الفتاتان نفسهما ضائعتان في محطة كبيرة.. وينتقلتا إلى دير يضم عددًا كبيرًا من الفتيات المعوزات، فكن يقمن بغسل الصحون وكي الملابس وتنظيف الأرضيات والحمامات ويعملن في الخياطة.. عاشت حياة ملؤها الخوف من الشيطان.. أميّة لا تعرف أى شيء عن العالم الخارجي. هربت إيما وهي على مشارف التاسعة عشرة واستطاعت أن تصبح فنانة، وأن تعقد علاقات صداقة مع شخصيات مثل فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا، وأيضًا مع فنانين أوروبيين وشخصيات عامة. هذا البورتريه عن حياتها أبدعته عين ثاقبة لنكتشف كاتبة موهوبة.
المدهش في قراءة هذه السيرة ومن قبل كتابتها: الروح الخفيفة التي احتفظت بها صاحبتها على مدار تلك الأعوام رغم ما عانت من القسوة والإهمال. كتبت حقيقة بروح طفلة لاتزال في الخامسة وحكاويها تتشبع بروح الطفولة وفضولها. فلا عجب إذن أن يعجب بها العظيم ماركيز ويشجعها على الاستمرار في الكتابة لصديقها الناقد خيرمان أرسينيغاس الذي كانت قد تعرف عليه في أربعينيات القرن الماضي، ونشأت بينهما صداقة قوية، وطلب منها أن تنشر هذه الرسائل.
كيف استطاعت لفنانة التي عانت الكثير أن تتجاوز كل ما مرت به وأن تصل إلى قمة نجاحها ومجدها رغم كل تلك الصعوبات، وها هي قد عبَّرت عن مأساتها دون أن يكون في كتابتها شيء غير الصدق الفني الذي يجعل القارئ متشوقًا لمعرفة تفاصيلها متعاطفًا مع حكايتها. فهذا عمل لا يعيش إلا بالصدق التام. وجاء غلاف الكتاب من إحدى لوحاتها المدهشة التي تعبر عن عيون الطفل الشغوفة بالعالم وحسرتها وانكسارها منه في آن واحد.
أكثر ما شغلني بعدما انتهيت من القراءة أنني أريد أن تكمل كتابة المذكرات لنعرف كيف تمكنت من المضي قدما في الحياة وأصبحت هذه الفنانة العالمية وما حدث لأختها إيلينا وكيف اجتمعتا؟ لكن ربما في في رسوماتها ولوحاتها أكملت الجزء الناقص وربما نجد يومًا من يكمل لنا الحلقة الناقصة.
هذا فعلا عمل استثنائي ويستحق القراءة والتفكر في كل رسائله التي لولا حرصي على عدم حرق الأحداث لاستفضت في الحديث عني؛ فهناك تفاصيل ومواقف يجب الوقوف عندها كثيرا.
أخيرًا، الترجمة بديعة جدًا وناقلة لروح النص الطفولية بشكل مذهل وسلسلة إلى حد بعيد. شكرًا المبدع مارك جمال على المجهود المبذول دائما في ترجماتك.
إيما ريس كانت طفلة غير شرعية نشأت في بوغوتا، في غرفة من دون شبابيك، ولا ماء استحمام، وتقتات بأقل القليل لتبقى على قيد الحياة... تعيش مع سيدة لا تعرف شيئا عنها غير "لبدة هائلة من الشعر الأسود" وتدعوها بالأنسة ماريا، ومع الأختين طفل أخر لا يعرفان عنه شيئا سوى لقبه الذي خلعاه عليه: القملة! وبعد فترة من التنقلات الكثيرة تجد الفتاتان نفسهما ضائعتان في محطة كبيرة.. وينتقلتا إلى دير يضم عددًا كبيرًا من الفتيات المعوزات، فكن يقمن بغسل الصحون وكي الملابس وتنظيف الأرضيات والحمامات ويعملن في الخياطة.. عاشت حياة ملؤها الخوف من الشيطان.. أميّة لا تعرف أى شيء عن العالم الخارجي. هربت إيما وهي على مشارف التاسعة عشرة واستطاعت أن تصبح فنانة، وأن تعقد علاقات صداقة مع شخصيات مثل فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا، وأيضًا مع فنانين أوروبيين وشخصيات عامة. هذا البورتريه عن حياتها أبدعته عين ثاقبة لنكتشف كاتبة موهوبة.
المدهش في قراءة هذه السيرة ومن قبل كتابتها: الروح الخفيفة التي احتفظت بها صاحبتها على مدار تلك الأعوام رغم ما عانت من القسوة والإهمال. كتبت حقيقة بروح طفلة لاتزال في الخامسة وحكاويها تتشبع بروح الطفولة وفضولها. فلا عجب إذن أن يعجب بها العظيم ماركيز ويشجعها على الاستمرار في الكتابة لصديقها الناقد خيرمان أرسينيغاس الذي كانت قد تعرف عليه في أربعينيات القرن الماضي، ونشأت بينهما صداقة قوية، وطلب منها أن تنشر هذه الرسائل.
كيف استطاعت لفنانة التي عانت الكثير أن تتجاوز كل ما مرت به وأن تصل إلى قمة نجاحها ومجدها رغم كل تلك الصعوبات، وها هي قد عبَّرت عن مأساتها دون أن يكون في كتابتها شيء غير الصدق الفني الذي يجعل القارئ متشوقًا لمعرفة تفاصيلها متعاطفًا مع حكايتها. فهذا عمل لا يعيش إلا بالصدق التام. وجاء غلاف الكتاب من إحدى لوحاتها المدهشة التي تعبر عن عيون الطفل الشغوفة بالعالم وحسرتها وانكسارها منه في آن واحد.
أكثر ما شغلني بعدما انتهيت من القراءة أنني أريد أن تكمل كتابة المذكرات لنعرف كيف تمكنت من المضي قدما في الحياة وأصبحت هذه الفنانة العالمية وما حدث لأختها إيلينا وكيف اجتمعتا؟ لكن ربما في في رسوماتها ولوحاتها أكملت الجزء الناقص وربما نجد يومًا من يكمل لنا الحلقة الناقصة.
هذا فعلا عمل استثنائي ويستحق القراءة والتفكر في كل رسائله التي لولا حرصي على عدم حرق الأحداث لاستفضت في الحديث عني؛ فهناك تفاصيل ومواقف يجب الوقوف عندها كثيرا.
أخيرًا، الترجمة بديعة جدًا وناقلة لروح النص الطفولية بشكل مذهل وسلسلة إلى حد بعيد. شكرًا المبدع مارك جمال على المجهود المبذول دائما في ترجماتك.