Take a photo of a barcode or cover
A review by smoltruth
سيكولوجية الجماهير by Gustave Le Bon
إن هذا الكتاب مرحلة قرائية بالغة الأهمية، ورغم أن بعض الأفكار التي يحويها يمكن نقضها بعين نقدية، إلا أنه كتاب تأسيسي يتجاوز مستواه المتوقع، خصوصًا مع الفصول الأخيرة؛ إن الخاتمة التي عرضها غوستاف لوبون في هذا الكتاب، بخصوص انحطاط الحضارات استهلالًا لموتها، تعادل، في رأيي، قيمة الكتاب ككل. فلم يكتفِ فقط بدراسة نفسية الجماهير من أحزاب وطبقات وبرلمانات وجماعات ثورية، بل توقّع قدراتها التدميرية الفردية، والتي تحيلنا إلى حيثيات واقعنا اليوم.
يقول غوستاف لوبون بهذا الصدد:
"مع الاضمحلال التدريجي لمثاله الأعلى، فإن العرق يفقد أكثر فأكثر كل ما كان يصنع تماسكه ووحدته وقوّته. ويمكن للفرد عندئذٍ أن ينمو في شخصيته وذكائه، ولكن يحل في ذات الوقت محل الأنانية الجماعية للعرق نمو زائد جدًا للأنانية الفردية المصحوبة بوهن الطبع والشخصية وبضعف في القابلية على الممارسة والإنخراط. وما كان يشكل شعبًا ووحدة وكتلة متراصة يصبح في نهاية المطاف عبارة عن ركام من الأفراد الذين لا رابط بينهم، ولكن يتم الحفاظ على وحدتهم الشكلية بطريقة اصطناعية لفترة أخرى من الزمن عن طريق التقاليد والمؤسسات."
وهذا الاحتضار البطيء، الصامت، غير الملاحظ إلا بعد التبصّر، قد أكّد عليه نيكولاس دافيلا بقوله "ليس العنف بضروري لتدمير حضارةٍ. كل حضارة تنهار إثر لامبالاتها بالقيم الفريدة التي قامت عليها".
هذا الشكل غير المنضبط أو المتوازن في إقصاء التقاليد التي استفدت إيجابياتها، مع تلك التي تشكل روح الحضارة، يؤدي إلى نخر هذا البناء المتراصّ على حساب إعلاء قيمة النرجسية الفردية. إذ إن الوجود التاريخي لعرقٍ ما هو وليد الماضي وتجليّاته التي تجاوزت زمانها؛ إن نخر هيكلها يجعلها منفلتة صوب الاحتمالات المتدفقة غير الثابتة:
"إن تلاشي العقائد العامة يترك المكان حرًا لمجموعة من الأفكار الخصوصية المحرومة من كل ماضٍ أو مستقبل".
واستنتاج غوستاف لوبون هذا عن الشكل المشوّه للجمهور يرتبط بشكل جذري مع إنسان اللحظة الذي قدّمه إلينا سيرافيم روز:
«ما هي هذه "الطفرة"، بصورة أكثر واقعيّة، "الإنسان الجديد"؟ إنه الإنسان الذي لا جذور له، الإنسان الذي ضعضعتهُ العدمية، المنقطع عن الماضي، المادة الخام لكلِّ حلم غوغائي. "المفكر الحر" والشكاك، هو منغلقٌ فيما يتعلق بالحقيقة ولكنه "منفتحٌ" على كلِّ الأنماط الفكريّة الجديدة، لأنه هو ذاته ليس لديه أساس فكري؛ "الباحث" بعد بعضٍ من "النبش الجديد"، مستعد للإيمان بأيِّ شيءٍ جديد، ذٰلك أن الإيمان الحقيقي قد اندثر فيه؛ الإنسان المُخطِّط والمُجرِّب، يعبدُ "الحقيقة الملموسة" لأنه تخلى عن الحق، يرى العالم على أنه مختبر شاسع يتمتع فيه بحرية تحديد ما هو "ممكن"؛ الإنسان المستقل، يدَّعي التواضع في طلب "حقوقه" فحسب، ومع ذلك فهو مليء بالفخر إذ يتوقع أن يتم اعطاءه كلّ شيء في عالمٍ ليس فيه شيء محظور بشكلٍ رسمي؛ إنسان اللحظة، إنسان بلا ضمير أو قيَم، وهكذا فهو تحت رحمة أقوى "المحفزات"؛ "الإنسان المتمرد"، يكره كلّ ضبط نفس ويكره السُّلطة لأنه هو ذاته إله نفسه الأوحد؛ "إنسان الحشد"، هذا البربري الجديد، "مُختزلٌ" و"مبسط" تمامًا، وقادر فقط على الأفكار الأوليّة البسيطة، بل هو يحتقر أي واحد يتجرأ على الإشارة إلى الأشياء العُليا أو التعقيد الواقعي للحياة.»
في خضم هذا التلاطم الغارق تحت الأنقاض، يصبح كل موضوع تحرير هو تنقيل للجماهير بين الساحات القمعية، قفزٌ من قارب مستبدٍ إلى قاربِ مستبدٍ آخر؛ كذا تحرير النساء والأطفال من السلطة الأبوية تحت مشروع إخضاعهم للأبوية الجديدة: الدعاية، والهيئات الصناعية الكبرى، والدولة. لأننا "لم نكنس السِّلّم من فوق".
إن هذا التنقل الفارغ من المضمون، منقطع الفائدة، خصوصًا مع تزايد التعقيدات الحياتية التي يخوضها الإنسان الحديث، جعلته، بحسب غوستاف لوبون، مصابًا باللامبالاة -وربما البلادة- أكثر فأكثر، "وبسبب لا مبالاة المواطنين وعجزهم المتزايد فإن دور الحكومات سوف يكبر بالضرورة".
إن عالم اليوم يصبح أقرب إلى الديستوبيا :>
يقول غوستاف لوبون بهذا الصدد:
"مع الاضمحلال التدريجي لمثاله الأعلى، فإن العرق يفقد أكثر فأكثر كل ما كان يصنع تماسكه ووحدته وقوّته. ويمكن للفرد عندئذٍ أن ينمو في شخصيته وذكائه، ولكن يحل في ذات الوقت محل الأنانية الجماعية للعرق نمو زائد جدًا للأنانية الفردية المصحوبة بوهن الطبع والشخصية وبضعف في القابلية على الممارسة والإنخراط. وما كان يشكل شعبًا ووحدة وكتلة متراصة يصبح في نهاية المطاف عبارة عن ركام من الأفراد الذين لا رابط بينهم، ولكن يتم الحفاظ على وحدتهم الشكلية بطريقة اصطناعية لفترة أخرى من الزمن عن طريق التقاليد والمؤسسات."
وهذا الاحتضار البطيء، الصامت، غير الملاحظ إلا بعد التبصّر، قد أكّد عليه نيكولاس دافيلا بقوله "ليس العنف بضروري لتدمير حضارةٍ. كل حضارة تنهار إثر لامبالاتها بالقيم الفريدة التي قامت عليها".
هذا الشكل غير المنضبط أو المتوازن في إقصاء التقاليد التي استفدت إيجابياتها، مع تلك التي تشكل روح الحضارة، يؤدي إلى نخر هذا البناء المتراصّ على حساب إعلاء قيمة النرجسية الفردية. إذ إن الوجود التاريخي لعرقٍ ما هو وليد الماضي وتجليّاته التي تجاوزت زمانها؛ إن نخر هيكلها يجعلها منفلتة صوب الاحتمالات المتدفقة غير الثابتة:
"إن تلاشي العقائد العامة يترك المكان حرًا لمجموعة من الأفكار الخصوصية المحرومة من كل ماضٍ أو مستقبل".
واستنتاج غوستاف لوبون هذا عن الشكل المشوّه للجمهور يرتبط بشكل جذري مع إنسان اللحظة الذي قدّمه إلينا سيرافيم روز:
«ما هي هذه "الطفرة"، بصورة أكثر واقعيّة، "الإنسان الجديد"؟ إنه الإنسان الذي لا جذور له، الإنسان الذي ضعضعتهُ العدمية، المنقطع عن الماضي، المادة الخام لكلِّ حلم غوغائي. "المفكر الحر" والشكاك، هو منغلقٌ فيما يتعلق بالحقيقة ولكنه "منفتحٌ" على كلِّ الأنماط الفكريّة الجديدة، لأنه هو ذاته ليس لديه أساس فكري؛ "الباحث" بعد بعضٍ من "النبش الجديد"، مستعد للإيمان بأيِّ شيءٍ جديد، ذٰلك أن الإيمان الحقيقي قد اندثر فيه؛ الإنسان المُخطِّط والمُجرِّب، يعبدُ "الحقيقة الملموسة" لأنه تخلى عن الحق، يرى العالم على أنه مختبر شاسع يتمتع فيه بحرية تحديد ما هو "ممكن"؛ الإنسان المستقل، يدَّعي التواضع في طلب "حقوقه" فحسب، ومع ذلك فهو مليء بالفخر إذ يتوقع أن يتم اعطاءه كلّ شيء في عالمٍ ليس فيه شيء محظور بشكلٍ رسمي؛ إنسان اللحظة، إنسان بلا ضمير أو قيَم، وهكذا فهو تحت رحمة أقوى "المحفزات"؛ "الإنسان المتمرد"، يكره كلّ ضبط نفس ويكره السُّلطة لأنه هو ذاته إله نفسه الأوحد؛ "إنسان الحشد"، هذا البربري الجديد، "مُختزلٌ" و"مبسط" تمامًا، وقادر فقط على الأفكار الأوليّة البسيطة، بل هو يحتقر أي واحد يتجرأ على الإشارة إلى الأشياء العُليا أو التعقيد الواقعي للحياة.»
في خضم هذا التلاطم الغارق تحت الأنقاض، يصبح كل موضوع تحرير هو تنقيل للجماهير بين الساحات القمعية، قفزٌ من قارب مستبدٍ إلى قاربِ مستبدٍ آخر؛ كذا تحرير النساء والأطفال من السلطة الأبوية تحت مشروع إخضاعهم للأبوية الجديدة: الدعاية، والهيئات الصناعية الكبرى، والدولة. لأننا "لم نكنس السِّلّم من فوق".
إن هذا التنقل الفارغ من المضمون، منقطع الفائدة، خصوصًا مع تزايد التعقيدات الحياتية التي يخوضها الإنسان الحديث، جعلته، بحسب غوستاف لوبون، مصابًا باللامبالاة -وربما البلادة- أكثر فأكثر، "وبسبب لا مبالاة المواطنين وعجزهم المتزايد فإن دور الحكومات سوف يكبر بالضرورة".
إن عالم اليوم يصبح أقرب إلى الديستوبيا :>