A review by khuzyma
على خطا الخليل إبراهيم عليه السلام: كسر الأصنام قراءتان by أبو قتادة الفلسطيني

informative fast-paced

5.0

بعد «الحادي عشر» علَت أصوات المنافقين من الفقهاء المُضلِّين، وحرَّفوا أحكام الدين وغيَّروا منارات الفقه وأصوله، وتلاعبوا بالمقاصد، وتكالبَت الدنيا بقضّها وقضيضها على أهل الجهاد، بفتاوى هؤلاء ممن يسميهم أبو قَتادة: الفقهاء الجدد. 
 
وجاء هذا الجزء من الشيخ أبي قَتادة، نقضاً لشبههم، ونَخلاً لكلامهم، وفضحاً لتناقضهم. 
ومهَّد الشيخ بتقعيدٍ عظيم، لصفة الاقتداء بالقصص القرآني، وفهم التاريخ، والاعتبار بالتجارب. 
فبيَّن أنَّ التجربة التاريخية ليست للاستنساخ وإعادتها على وجهها حتى نصل العاقبة نفسها، أي النصر والتمكين، إذ ليست هذه حركة الحياة ولا طبيعتها، ولا يُفهم التاريخ بهذه الطريقة المُصمَتة التي تعطِّل العقل والأسباب معاً! 
 فعند النظر في القدوة وتجربتها التاريخية، فإنَّ هذا النظر يكون تبعاً لفهم الواقع وما يحتاجه من أدوات، فتكون القدوة والقصة القرآنية هي المرجعية الكلية، ويكون العمل بها بما يناسب الخصوصية الزمنية والمكانية، ”ومع قصص الأنبياء كانت القدوة، وذلك بأخذ القدر الملائم لواقعهم من فعل المُهتدين السابقين“ (ص ٢٥). 
وإن كان هذا في القصص القرآني والقدوات النبوية، فهو في غيرها من «حركة الحياة» أولى (انظر: هنا). 
وهذا أمرٌ ينبغي تأمله وإعادة النظر فيه مراراً، حتى يستحيلَ هيئةً راسخةً في نفس القائم بأمر الله الساعي لإقامة الدين المتحرك بدينه، فيكون نظره للسيرة والتاريخ منضبطاً لا خيالاً مجرَّداً يعودُ به إلى أزمانٍ مضت، لم يعُد من خصائصها إلا ما وُجد في مدوَّنات التاريخ. وهذا لا يعني نبذ سنن التاريخ، وإنما سنن التاريخ تفهم ضمن الحركة الإنسانية بجملتها، وتكون قواعد كلية تستندُ الحركة عليها في وضع التدبير وحساب المآلات (الاستراتيجية). 
 
وقد بنى الشيخ هذا الجزء على قصة إبراهيم عليه السلام لِمَا يتكرر من أمر الاقتداء بإبراهيم عليه السلام، وأنَّ هذه خصوصية زائدة له عليه السلام. 
ثم شرعَ الشيخ في تحليل قصة إبراهيم عليه السلام وكسره الأصنام، وبيَّن جوانبها، من المحاورة إلى السرعة والسرية في إنفاذ العمل، إلى المحاكمة والحكم بالقتل، إلى النجاة والهجرة. 
وقد جعلَ الشيخ كسرَ إبراهيم عليه السلام للأصنام ضمن ما سماه «النَّسَق الإبراهيمي» في الدعوة، الذي تبرزُ فيه قوة حجته عليه السلام في بيان التوحيد ونقض الشرك، فكان الفعل الماديِّ تبياناً لذلك وإن جرَّ البلاء والقتلَ، وهذا قطب الرحى في ردِّ شبه «الفقهاء الجدد». 
 
يرى الشيخ أنَّ عرض أقوال مَن سماهم ”المخالفين لمنهج الأنبياء من أصحاب العمائم ودعاة الفكر الإسلامي وزاعمي الفقه المعاصرين“ على الفعل القرآني المحمود، يكشف زيف مسالكهم، دون الحاجة للدخول في نقاش أصولي وفقهي، ومع ذلك فالشيخ يرجع على أصولهم بالنقض وتبيين انحرافها عن الأصول التي ارتضاها المسلمون، بتبيين الأصول الشرعية دون الاستغراق بها، إذ ليس هذا المقصود هنا، كما ذكر في التمهيد. 
فبعد أن قصَّ قصة إبراهيم عليه السلام، كتب الشيخ على ألسنة الأحزاب (المعروفة) والفقهاء الجدد (المعروفين) والاتحادات المشيخية (المعروفة) والصحف وحتى الباحثين الغربيين والأطباء النفسيين، اعتراضهم على كسر الأصنام، وتتبَّع الشيخ كل اعتراضاتهم بأسلوب ساخرٍ مرير، وكشف تهافتَ أقوالهم وتناقضها. والإسقاطات التي أتقنَ الشيخ وضعها، جليةٌ للمتابع والعارف بتلك الأحداث والتعليقات عليها، وتعامل المشايخ والجماعات الإسلامية والهيئات العلمائية والإعلام والغربيين بمراكزهم وحكوماتهم معها. 
ثم زاد على ذلك، فجاء في الفصل الأخير بعشرة آثار، فيها معنى كسر الأصنام من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وآثار ذلك من بلاء وهجرة وقتل وقتال، وذكر كيف يتعامل معها الفقهاء الجدد، وردَّ عليها على أحسن ما يكون. 
 
فكرة الكتابة بديعة، ومقابلةُ هدم الأبراج وكسر الأصنام مع عرض أقوال المحدَثين المنحرفين الذي قالوه في حقِّ «الحادي عشر» ورجالها على الفعل القرآني يكشف مدى انحراف القوم عن الدين والعقل. 
وما زالت تلك الشبه تطلُّ برأسها عند كل حادثةٍ، هي هي، لم تتغيَّر، إلا أنها ازدادت ضلالاً، مما يُبقي الكتاب جِدَّته. 
 
يحسنُ بهذا الجزء أن يكون ملحقاً بكتاب الشيخ «مع صبغة الله الصمد»، إذ جاء كالتطبيق العملي لمنهج الشيخ في تناول القصص القرآني والسيرة النبوية وحركة الصحابي الأول في الحياة.

*****
نقولات، لعلها تفيد في فهم المقاصد العامة، وتُبِين شيئاً من مسألة القدوة والتجربة التاريخية، التي أزعم أنها أهم ما في المنهجية هنا:

- ”والاقتداء بالقصص القرآني لا يكون بالمطابقة في كلِّ أحداث القصة، بل يكون بالعبرة في معنًى من المعاني فيها“. (ص ٥).

- ”القدوة لا تعني فرض النموذج المقتدر على الواقع، بل القدوة تعني أولاً فهمَ الواقع كما هو ثم البحث عن طرق معالجته بالقدوة إجمالاً، مع احترام الخصوصية وحكمتها التي تناسب الحدث المعاصر“. (ص ٦).

- ”لا يمكن لأحدٍ أن يزعم المشابهة في العواقب جميعها إلا بكلمةٍ واحدة هي النصر […] فالمقصود من الاقتداء أنَّ التاريخ لا يتكرر على وجهٍ واحد، وإن كانت علله واحدة، أي بواعث حركة الإنسان فيه متشابهة، لكن لا يوجد معركة تشبه أخرى في كلِّ وجهٍ من الوجوه، ولو كان هذا يقع لِمَا كانت الحياة إلا معركة واحدة إنما تنتقل من زمنٍ إلى آخَر“. (ص ٧).

- ”فقه القصص القرآني وفقه السيرة النبوية، لا يمكن تحقيقه إلا بأن يفهم المرء واقعه، وما فيه ثم بعد ذلك يذهب إلى التاريخ النموذج ليأخذ منه الحل، ثم كيف يجري هذا الحل في واقعه، فتلك قضية أخرى مجالها عقل هذا الإنسان وإبداعه وحكمته“. (ص ٨).

- ”إخراج الحادثة القرآنية المَهديَّة من التاريخ على معنى الاقتداء الصحيح إلى زماننا يحقق إفساد هذه الطرق [الفقهاء المحدَثين المُضلِّين] في التحليل والتقويم والحكم.
مناهج الانحراف في التعامل مع أهل الجهاد اليوم من قِبَل «الفقهاء الجدد» هي التي تفتح الباب لإفساد الدين كله […] فالقراءات المعاصرة للقرآن كما يسميها أصحابها، أو كما يسميها البعض بـ«تجديد الخطاب الديني» إنما هي نِتاج خط الانحراف الأول في التعامل مع المجاهدين وهَديهم في هذا الزمان […] كل هذه [القوانين التي عطَّلت الشريعة] ترتكز إلى الأسس التي يطلقها الفقهاء الجدد ضد الجهاد والمجاهدين […] فإذا كان الجهاد اليوم ممنوعاً لمعنًى من معاني النفوس وأهوائها، فما الذي يمنع تعميم هذا المعنى ليجعل اللواط حلالاً.
[…]
فوالذي رفع السماء بغير عمدٍ، إنَّ فضل المجاهدين اليوم في المشرق والمغرب أعظم من أن تحيط به الكلمات، وإنَّ لهم دَيناً في عنق كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، فلولاهم لطرقت بيوت المسلمين بالزنا، كما طُرقت بطونهم بالربا، ولكان أعظم إنكار الرجل على ابنته وقد دخل إليها عشيقها إلى بيته معها أن يغضَّ طرفه“. (ص ٢٠-٢١).

- ”هذا فعل الخليل إبراهيم عليه السلام، يُعرض في القرآن ليعملَ به المؤمنون في وقت من الأوقات، وسيقع لهم ما وقع على وجه المحنة والابتلاء، فقد يُقتلون، وقد يُطارَدون فيها، وقد يُحبَسون، لكنَّ الفعلَ يبقى إيمانياً لا يطعن فيه إلا جاهل“. (ص ٥١).