A review by mahmoud_radi
صيحة القطعة 49 by Thomas Pynchon

5.0

من يملك الصبر والجلد وطول النفس على قراءة هذه الرواية الشاقة في قراءتها، سيحظى بالكثير والكثير من المتعة العقلية على نحو يتخطى ما يتخيله وما يتوقعه.

تأتي (صيحة القطعة 49) التي تعد أول رواية تترجم باللغة العربية على اﻹطلاق للكاتب اﻷمريكي توماس بنشون كإرهاصة نابعة من السيولة اﻹجتماعية والسياسية والثقافية التي غلبت على حقبة الستينات في الولايات المتحدة اﻷمريكية، مما ولد عنه حالة من التيه والتخبط في ظل عالم يعاد تشكيله من جديد على أسس مختلفة عما سبقها بالكلية، وهو ما يفرض حالة من محاولة إيجاد مسارات أو طرق لوضع منطق ما لهذه الحالة من السيولة التي تتلاحق تجلياتها بلا هوادة.

ربما يمكن تلخيص الصعوبات التي ستواجه من يقدم على قراءة (صيحة القطعة 49) في عدة نقاط رئيسية: حبكة مراوغة جدًا في ملاحقة تتابعاتها مما قد يحتاج معه من القاريء بذل مجهود إضافي، وجود احتمالات عديدة جدًا لما نشاهده خلال رحلة أوديبا ماس الغرائبية والسريالية في مجملها، وجود كم هائل جدًا من الشخصيات التي تتابع على الحكاية بظهورات قصيرة ووجيزة جدًا، انفتاح قوس الحكاية على مصراعيه ولا نهائية خاتمة الرواية التي تبنيء باستمرار رحلة البحث العبثية التي تقوم بها أوديبا ماس، كم كبير من اﻷلعاب اللفظية، تلاحق الصور الساخرة والمعلومات بلا هوادة، عدم التيقن من مدى فائدة الحقائق التي تكتشفها أوديبا لرحلة بحثها عن منظمة البريد السرية التي تعمل سرًا كمنافس للبريد الحكومي.

تشعر طوال احداث الرواية وكأن بنشون يحاول مواجهة عبثية ولامنطقية الواقع المعاش بعبثية ولا منطقية موازية لها وتتفوق عليها من حيث جرعة السخرية، كأنه يعكسها في المرآة، أو يحاول أن يصنع منطق ما لهذا الواقع، أو حتى يسخر أصلًا من محاولة صنع منطق لهذا الواقع، فربما لا يوجد أي مغزى من هذه الرحلة برمتها، وربما تكون المؤامرة التي تكتشفها أوديبا هذه من صنع خيالها بالكامل أو من جراء سوء قراءتها هى شخصيًا للمعطيات التي تجدها في الرحلة، أو محاولة يائسة منها ﻹيجاد هدف أسمى تتعلق به في ظل هذا العبث المهيمن، وربما تكون محض هلوسة بالترافق مع ثقافة تعاطي المخدرات التي شكلت رافدًا رئيسيًا في عالم الستينات، لكن كل لا ينفي مدى المتعة العقلية التي نحصل عليها من قراءة (صيحة القطعة 49).