A review by al_sharnaqi
الروائي الساذج والحساس by Orhan Pamuk, ميادة خليل

4.0

لماذا تقرأ الروايات؟
سؤالٌ كهذا يُثمر لك من الإجابات المختلفة الكثير، باختلاف عدد وأنماط القرّاء الموجهِ لهم. وفي الوقت ذاته، ما إن وجهت السؤال للكتَّاب: لماذا تكتب الروايات؟ حتى تحصد أيضًا عددًا مختلفًا من الإجابات. بيّد أنّه حين نُلقي نظرة على الأجوبة من كلا الطرفين –القرّاء والكتّاب- نجد أن كلّ تلك الأجوبة تدور في ذات المحور، أو على الأقل في عدّة محاور معدودة على أنماطٍ مختلفة.
يناقش أورهان باموك في كتابه هذا فكرة الروايات من ناحية القرَّاء والكتَّاب واستنادًا على ضوء خبرتهِ الشخصية في ذلك. فهو قارئٌ للروايات لأكثر من عقدٍ قبل أن يكون كاتب روايات. وعلى ضوء خبرتهِ، يناقش ما الذي يحدث لعقل الإنسان حين يقرأ الروايات، وكيف يعمل أثناء ما القراءة، والكتابة أيضًا.
يُشبّهِ أورهان باموك قارئ الرواية، بالمرء الذي يقود السيارة. فيقول: عقولنا تعمل بكلّ نشاط كلّما تعمقنا أكثر في الرواية. فعقلنا وإدراكنا يعملان باهتمام مع سرعة وتركيز، وينفذان العديد من العمليات في نفس الوقت. تمامًا مثل شخص يقود السيارة، يدفع بدون وعي كل أزرار التشغيل، يضغط برجله على الدواسات، يدير بكل دقة السيارة تبعًا للعديد من القواعد، يقرأ إشارة المرور ويفسرها، ويراقب حركة المرور بينما يقود. وهذا التشابه مع سائق السيارة لا ينطبق على القارئ فحسب، ولكن على الروائيّ أيضًا.
يفسر لنا أورهان باموك بعمق وبعد أن يُوضح النمط الذي يعمل فيه عقولنا عند قراءة الروايات وكتابتها أيضًا في حال الكتَّاب، الفرق بين الساذج والحساس، أسواءٌ قارئ ساذج أم حساس، أو كاتبٌ ساذج أم حساس. ويستخدم كلمة "ساذج" لوصف هذا النوع من الروائيين وقرّاء الرواية، أولئك الذين لا يشغلون أنفسهم بالجوانب الفنية لكتابة وقراءة رواية. وكلمة "حساس" لوصف الإحساس المعاكس تمامًا: بكلام آخر، القرّاء والكتَّاب المفتونون بتصنع النص وعجزه في تحقيق الواقع، والذين يولون اهتمامًا كبيرًا للأساليب التي يستخدمونها في كتابة الروايات والطريقة التي تعمل بها عقولنا عندما نقرأ.

جمع أورهان باموك المحاضرات التي ألقاها في السنوات الأخيرة في فن الرواية كتابةً وقراءةً، في هذا الكتاب، ليتيح لقرّائهِ الاستفادة من محاضراتهِ التي سبق وأن ألقاها في احدى الجامعات، على نحو موجزٍ واضح. ويوضح في الكتاب علاقة الروايات بالرسم، وبالمتاحف. وكيف أن عقولنا تسعى لتقبّل ذلك التناقض الذي يحدث معنا عند الاتصال بالروايات، والبحث الذي نصارع فيه من أجل معرفة محور الروايات. كما ويناقش فكرة الشخصية الأدبية، والحبكة الزمنية من حيث السرد والوصف وما الفرق بينهما.

في حقيقة الأمر، حين انتهيت من قراءة هذا الكتاب، وصلتُ لمرحلة ما وكأني أقول: إن المكان الذي نعود إليه، لن يكون هو نفسه الذي غادرنَاه. بهذا المعنى، تغيّر كل شيء داخل عقلي بشأن الروايات، كتابةً أم قراءة. فالطريقة التي كنت أتعامل فيه مع الرواية قبل قراءة هذا الكتاب، ومن بعد قراءتهِ، مختلفة تمامًا. فقد هيأ لي قراءتُه طرقًا كنت أتخبط على بابها من غير أن أتمكن البلوغ لبدايتها، وأنار لي من الغُرف المظلمة التي لم أكن أستطيع حينها العثور عليها بسبب الظلمة القاتمة.

ختامًا، وعند إتمام قراءة الكتاب، يتبادر لذهن القارئ أن يلقي على نفسه السؤال: هل أنا قارئٌ حساس أم ساذج؟ والكاتب كذلك بدوره: أأنا كاتبٌ حساسٌ أم ساذج؟ والجواب على السؤال يختلف من شخص لآخر. لكن أودُّ بأن أختتم بجواب أورهان باموك حين طُرح عليه السؤال في ختام محاضراتهِ بقولهِ: "أن تكون روائيًا هو الإبداع في أن تكون ساذجًا وحساسًا في الوقت نفسه.".