A review by moudi
نحن نعرف ما سيأتي by Christa Wolf, كريستا فولف

4.0

قبل البدء في الحديث عن الرواية هناك إشكالان سببتهما الترجمة :
1- قراءة العمل على أن كل مافيه متخيل بينما في الحقيقة هناك شخصيات حقيقية أولهما البطلان، الشاعر والمسرحي هاينريش فون كلايست (1777م-1811م) و الشاعرة كارولين فون جونديروده، وإن كنت تسأل هل أثر الجهل بحياة الشاعران في فهم العمل؟ فإني سأجيب أن معرفة القليل من حياتهما مهم خاصة انك ستفهم نهاية الرواية المفتوحة وختامه بعبارة " نحن نعرف ما سيأتي" حين تعلم ان نهاية الشاعران كانت الانتحار، جونديروده طعنت نفسها بخنجر قرب نهر الراين، و كلايست أطلق على نفسه الرصاص عند شاطئ بحيرة فانزيه جنوب برلين.. السؤال المهم بعد إدراك مركزية حياة الشخصيتين لماذا ترك المترجم توضيح ذلك للقارئ العربي؟
2- كنت في أحيان كثيرة أعيد قراءة الفقرة ليس لصعوبة الفهم بل لصعوبة ربطها بما سبق وما لاحق، وهنا لا أحمل المترجم المسؤولية لان طريقة سرد كريستا وولف للرواية يعتمد على المراوغة أصلاً لكني أعتقد أن بستطاعة المترجم ملاحقتها وضبط الصورة أمام القارئ العربي ليفهم النص كما يفهمه القارئ بالألمانية، وقولي تبسيط لم يأتِ من فراغ، فبعد الإطلاع على ترجمة Jan van Heurck جان فان هورك - يبدو أنه ألماني - عن الألمانية مباشرة انتبهت ان ترجمة صلاح هلال - وهي عن الألمانية أيضا - أجمل من ترجمة هورك لكنها ليست أبسط، مثال:

صلاح " كلايست ان كنت تريد أن تصدقني، إنه ليس من الجيد ان يغوص المرء في أعماق ذاته أكثر مما ينبغي."
Heurck " Kleist, says Wedekind, if only you would believe me :it is not good for man to gaze too deeply inside himself."

كلاهما أوصلا المعنى، صلاح أجمل و هورك أبسط، وانا أعتقد أنني حين اقرأها مره اخرى بترجمة هورك - بإذن الله - لن اجد صعوبة في فهم مسار السرد وتتبع الأحداث.

عن الرواية :
تتحدث الرواية عن أمرين الأول هو علاقة الفرد بالمجتمع خاصة فيما يتعلق بحدود المقبول والمفروض والمسموح به و الممنوع والمردود والمرفوض، من طموحات و آراء وقرارات قد لا يتجاوز اثرها الفرد، والثاني هو الأدوار التي رسمها المجتمع للجنسين الذكر والأنثى و الصورة المثالية للمرأة و الرجل.
نصف الرواية يظهر الأمر الأول وفي النصف الثاني يظهر الأمر الثاني.
ولأن العمل سيتناول الفرد "الباطن" و المجتمع " الظاهر" و المرأة " باطن نفس جونديروده" و الرجل " باطن نفس كلايست" فلكم ان تتخيلوا طريقة السرد، تنطلق وولف من أفكار الشخصيتان ثم تخرج لتجسد حفلة الشاي الهادئة ثم تعود لضجيج ذهن الشخصيتان ثم نخرج مره اخرى نراقب الآخرين كأنهم دمى ثم نعود مره اخرى لكلايست وهو يعود بالذكريات ويسقط على الذكرى رأيه وتقييمه ثم نقفز إلى جونديروده وهي تعيد إحياء ذاكرة الشعور وتقرر إنهاء مشاعر ماضيه، كل هذا بأسلوب شاعري رائق لم يفلتني ولا مره..

لعل عيب الرواية أنها وصلت إلى مرحلة تشبه الركود خاصة أن بداية العمل مع كل عبارة تكتشف جانباً من الشخصيات لكن حين تصل إلى ما قبل النهاية بقليل يتوقف التتابع، وايضا إيراد بعض الأفكار التي لا أدري ما صحت كون اهل ذلك الزمان يهتمون بها او يطرحونها في نقاش إذ بدت لي بعيدة عن اذهانهم.