A review by rashed
المقدس والمدنس by Mircea Eliade

3.0

لعل هذا الكِتاب لهو من اهم الكتب التي ينبغي الاطلاع عليها خصوصاً في هذا الفترة التي تشهد ما يمكن تسميته "بموجة" تشكك كبيرة في العالم العربي, فنجد الكثير من الافراد الآن قد فتحوا الباب للتساؤلات الانطولوجية خصوصاً المتعلقة بمسائل "البعث, العبادة, الموت" اي المسائل الدينية..
واسئلة اخرى مثل "ماذا هذا المكان مقدس دون سِواه؟" و "لماذا ما زال يتم الخوض في الميثولوجيا رغم انها حرفياً (اساطير الاولين)"؟

هذا الكتاب- يحاول تفنيد هذه المقارنة التي يقوم بها المؤرخيين, علماء الانثروبولوجي, رجال الدين, الافراد سواء كانوا مؤمنين او ملحدين وعلماء النفس..
بداية انا عنوان الكِتاب "المقدس والمدنس" لهو عنوان جاذب بلا شك فقد احسن ميرسيا الياد في هذا الكتاب الحديث عن بعض المسائل
المتعلقة بالتقديس, سواء تقديس المكان او حقبات\فترات زمنية معينة او المعبد او الافراد وغيرها من الطقوس لدى الانسان البدائي, لا بد من ذِكر أنه كلمتي "المقدس" و "المدنس" قبل يبدوان مختارتان على سبيل المقارنة التفاضلية اي من افضل من من ولا بد من تجاوز هذا الالتباس حيث ان هذا الكتاب يركز على منشئ التقديس بشكلِ عام من خلال ذكر كَماً وافر من الامثلة من مختلف الحضارات والازمنة..

لا بد من الحديث سريعاً عن الكاتب - مرسيا الياد (او "ميرتشا إلياده" حسبَ ويكيبيديا) هو كاتب ومؤرخ اديان وفيلسوف وروائي روماني روماني, شغل كرسي استاذ الاديان في جامعة شيكاغو وله مؤلفات في في ادب الخيال,التاريخ, الاديان, الفلسفة..

بشكلٍ عام يوضح الكِتاب ممارسات الانسان البدائي المقدسة:
فمثلاً بناء المعابد بأنواعها لدى مختلف الحضارات هدفه تحويل الارض التي بُني عليها من حالة "العماء" الى "التنظيم" ونلاحظ لدى الانسان المتدين ان المعبد يمثل بالنسبة له النقطة المركزية للارض, وايضاً تبنى المعباد بأسقف مفتوحة او بوضع قُبب عليها للاشارة الى التواصل المكاني من الارض الى المساء وكأنه المعبد عندما يبنى بهذه المعمارية يقرب الانسان لآلهته..

وايضاً تقديس بعض الايام من السنة مثل ايام "البعث" و "بدأ الخلِق" وغيرها من المناسبات, يوضح ميرسيا انه هناك نوعان من الزمان: مقدس وتقليدي, وهما متداخلان..حيث انه الفترة المقدسة من الفترة التقليدية تمتاز بروحانية وتكريس اكثر وتقام فيها الاحتفالات والطقوس المختلفة, اما بالنسبة للانسان غير المتديين فأن الزمن كله سيان بالنسبة له ولسا هناك اي ارتفاعات فيها..

بأمكاننا ان نلاحظ ان اذاً انه الانسان البدائي يحاول جاهداً اسباغ انطولوجيتيه بسمات مقدسة حتى تساعده على البقاء وتحمل الوجود ونلاحظ محاولة الانسان ملأ التساؤلات الوجودية بالطقوس والصلوات والتكريس حتى ينتقل من حالة العماء الى حالة التنظيم..

في الجزء الاخير من الكِتاب يركز ميرسيا على ما يسمى "المسارة" اي عبور الانسان من مرحلة لاخرى:
الولادة الى الموت, المراهقة الى البلوغ, الموت الى البعث..
فمثلاً في العديد من الثقافات الفارسية والمسيحية وحتى الاسلامية هناك مسار موجود فوق جهنم ينبغى المرور من فوقه للوصول الى النعيم, انه رمزية المسارة هنا هدفها ايصال الانسان من الوجود البشري العادى الى وجود الهي..

لعل اهم جزء من الكتاب تحديداً هو الجزء الاخير- يوضح مرسيا انه الانسان الحديث يحاول مراراً وتكراراً الانسلاخ والتخلص من اثار جده المتدين لكن الامر غير ممكن, لانه هذا الجد المتدين هو سبب وجود هذا الانسان الحديث غير المتدين, يجادل ميرسيا بأن الانسان الحديث هو ايضاً لديه ميثولوجيته الخاصة وان كانت في اللاوعي, فعندما نقارن مثلاً بين الطياريين في الجيوش مثلاً وبطولاتهم وما بين قصص الفرسان من الازمان السابقة نشاهد تشابهاً واضحاً, رغم انه الانسان الحديث المحارب لا يطلى على بطولاته سبغة مقدسة لكنها موجودة في اعمق اعماق كيانه كما يصف ميرسيا..فالانسان الحديث ما زال طقوسياً في انطولوجيته وفيزيولوجيته..فكل تلك الاحتفالات من رأس السنة مثلاً الى مراسم الانتقال الى بيتِ جديد والسنيما كذلك والادب السنيمائي نلاحظ وجود لابطال والهة كما كان سابقاً..

ويبدو انه لا فائدة...
مهما كنت علمانياً ومادياً معادياً للرب شخصياً سوف تظل تمارس طقوساً، ستظل تحمل الممارسات الكهونتية معك، طقوسنا لم تتغير، احتقرنا المتنسِّكين لنمارس تنسّٰكَهُم بصورة حداثية فحسب، كل ما اراه من هَوس تِجاه الفرق الموسيقية، اندية كرة القدم، الافلام، الكُتب، احتفالات رأس السنة مروراً باليوم العالمي للشوكولاتة، بأمكانك ان تتحسس نمطاً روحياً، تشاهد تكرسياً لممارسات تم ترويجها عبر الميديا والاعلانات.. لم يتغيير الانسان قط، الصواريخ ليست سوى سيوف طائرة، الوسيلة اختلفت والهدف واحد.. لا جدوى من ركلك واحتقارك لممارسات حاملي التقوى، نحن سواء على خط اللاجدوى..